فصل: سؤالان وجوابان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو أيوب محمد بن الوَزَّان، حدثنا عيسى بن يونس، عن أبي حَيّان التيمي عن أبي الزِّنْباع، عن ابن أبي الدِّهْقانة قال: قيل لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه: إن هاهنا غُلاما من أهل الحِيرة، حافظ كاتب، فلو اتخذته كاتبا؟ فقال: قد اتخذت إذًا بطانة من دون المؤمنين.
ففي هذا الأثر مع هذه الآية دلالة على أن أهل الذَّمَّة لا يجوز استعمالهم في الكتابة، التي فيها استطالة على المسلمين واطِّلاع على دَوَاخل أمُورهم التي يُخْشَى أن يُفْشوها إلى الأعداء من أهل الحرب؛ ولهذا قال تعالى: {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}.
وقد قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا إسحاق بن إسرائيل، حدثنا هُشَيم، حدثنا العَوَّام، عن الأزهر بن راشد قال: كانوا يأتون أنَسًا، فإذا حَدَّثهم بحديث لا يدرون ما هو، أتَوا الحسن- يعني البصري- فيفسره لهم. قال: فحدَّث ذات يوم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تَسْتَضِيؤوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ، ولا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبيا» فلم يدروا ما هو، فأتوا الحسن فقالوا له: إن أنسا حَدّثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَسْتَضِيؤوا بِنَارِ الشِّركِ ولا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبيا» فقال الحسن: أما قوله: «ولا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبيا»: محمد صلى الله عليه وسلم. وأما قوله: «لا تَسْتَضِيؤوا بِنَارِ الشِّركِ» يقول: لا تستشيروا المشركين في أموركم. ثم قال الحسن: تصديق ذلك في كتاب الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ}.
هكذا رواه الحافظ أبو يعلى، رحمه الله، وقد رواه النسائي عن مجاهد بن موسى، عن هشيم. ورواه الإمام أحمد، عن هُشَيم بإسناده مثله، من غير ذكر تفسير الحسن البصري.
وهذا التفسير فيه نظر، ومعناه ظاهر: «لا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبيّا» أي: بخط عربي، لئلا يشابه نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان نَقْشُه محمد رسول الله؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح أنه نهى أن يَنْقُشَ أحد على نقشه. وأما الاستضاءة بنار المشركين، فمعناه: لا تقاربوهم في المنازل بحيث تكونون معهم في بلادهم، بل تَبَاعَدُوا منهم وهَاجروا من بلادهم؛ ولهذا روى أبو داود رحمه الله «لا تَتَرَاءَى نَاراهُمَا» وفي الحديث الآخر: «مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ أَوْ سَكَنَ مَعَهُ، فَهُوَ مِثْلُهُ»؛ فحَمْلُ الحديث على ما قاله الحسن، رحمه الله، والاستشهاد عليه بالآية فيه نظر، والله أعلم.
ثم قال تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} أي: قد لاح على صَفَحات وجوههم، وفلتات ألسنتهم من العداوة، مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله، ما لا يخفى مثله على لبيب عاقل؛ ولهذا قال: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}. اهـ. بتصرف يسير.

.سؤالان وجوابان:

السؤال الأول: فإن قيل: ما الفرق بين قوله: لا تتخدوا من دونكم بطانة، وبين قوله: {لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ}؟.
قلنا: قال سيبويه: إنهم يقدمون الأهم والذي هم بشأنه أعني وهاهنا ليس المقصود اتخاذ البطانة إنما المقصود أن يتخذ منهم بطانة فكان قوله: لا تتخذوا من دونكم بطانة أقوى في إفادة المقصود. اهـ.
السؤال الثاني: فإن قيل: هذه الآية تقتضي المنع من مصاحبة الكفار على الإطلاق، وقال تعالى: {لاَّ ينهاكم الله عَنِ الذين لَمْ يقاتلوكم في الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دياركم أَن تَبَرُّوهُمْ} [الممتحنة: 8] {إِنَّمَا ينهاكم الله عَنِ الذين قاتلوكم} [الممتحنة: 9] فكيف الجمع بينهما؟
قلنا: لا شك أن الخاص يقدم على العام. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {مِّن دُونِكُمْ} يجوز أن يكون صفةً لـ {بِطَانَةً}، فيتعلق بمحذوف، أي: كائنة من غيركم.
وقدره الزمخشريّ: من غير أبناء جنسكم وهم المسلمون.
ويجوز أن يتعلق بفعل النهي، وجوَّز بعضُهم أن تكون {من} زائدة، والمعنى: دونكم في العمل والإيمان.
وبطانة الرجل: خاصَّته الذين يُبَاطنهم في الأمور، ولا يُظْهِر غيرَهم عليها، مشتقة من البطن، والباطن دون الظاهر، وهذا كما استعاروا الشعارَ والدِّثار في ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: «النَّاسُ دثار، والأنْصَارُ شِعَار».
والشعَارُ: ما يلي الجسد من الثياب. ويقال: بَطَنَ فلانٌ بفلانٍ، بُطُونًا، وبِطَانة.
قال الشاعر: [الطويل]
أولَئِكَ خُلْصَانِي، نَعَمْ وَبِطَانَتِي ** وَهُمْ عَيْبَتِي مِنْ دُونِ كُلِّ قَرِيبِ

فالبطانة مصدر يُسمَّى به الواحد والجمع، وأصله من البطن، ومنه: بطانة الثوب غير ظهارته.
فإن قيل: قوله: {لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً} نكرة في سياق النفي، فيقتضي العموم في النهي عن مصاحبة الكفار، وقد قال تعالى: {لاَّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ} [الممتحنة: 8] فكيف الجمع فيهما.
فالجواب: أن الخاص مقدَّم على العام.
قوله: {لاَ يَأْلُونَكُمْ} لما منع المؤمنين من أن يتخذوا بطانة من الكافرين ذَكَر علَّة النهي، وهي أمور:
أحدها: قوله: {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} يقال: ألا في الأمر، يَألُو فيه، أي: قصَّر- نحو غزا يغزو- فأصله أن يتعدى بحرف الجر كما ترى. واختلف في نصب {خَبَالًا} على وجوه:
أحدها: أنه مفعول ثانٍ، وإنما تعدَّى لاثنين؛ للتضمين.
قال الزمخشري: يقال: ألا في الأمر، يألو فيه- أي: قصَّر- ثم استُعْمِل مُعَدًّى إلى مفعولين في قولهم: لا آلوك نُصْحًا، ولا آلوك جُهْدًا، على التضمين، والمعنى: لا أمنعك نُصْحًا ولا أنقُصُكَهُ.
الثاني: أنه منصوب على إسقاط الخافض، والأصل: لا يألونكم في خبال، أو في تخبيلكم، أو بالخبال، كما يقال: أوجعته ضربًا، وهذا غير منقاسٍ، بخلاف التضمين؛ فإنه ينقاس، وإن كان فيه خلافٌ واهٍ.
الثالث: أن ينتصب على التمييز، وهو- حينئذ- تمييز منقول من المفعولية، والأصل: لا يألون خبالكم، أي: في خبالكم، ثم جعل الضمير- المضاف إليه- مفعولًا بعد إسقاط الخافض فنُصِبَ الخبال- الذي كان مضافًا- تمييزًا، ومثله قوله: {وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُونًا} [القمر: 12] على أن {عُيُونًا} بدل بعض من كل، وفيه حذف العائد، أي: عيونًا منها، وعلى هذا التخريج، يجوز أن يكون {خَبَالًا} يدل اشتمال من كم والضمي ر أيضا محذوف أي: خبالًا منكم وهذا وَجْه رابع.
الخامس: أنه مصدر في موضع الحال، أي: متخبلين.
السادس: قال ابْنُ عَطِيَّةَ: معناه: لا يقصرون لكم فيما فيه الفساد عليكم.
فعلى هذا- الذي قدره- يكون المضمر، و{خَبَالًا} منصوبين على إسقاط الخافض، وهو اللام، وهذه الجملة فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها جُمْلة استئنافية، لا محل لها من الإعراب، وإنما جِيءَ بها، وبالجُمَل التي بعدها، لبيان حال الطائفة الكافرة، حتى ينفروا منها، فلا يتخذوها بطانة، وهو وجه حسن.
الثاني: أنها جملة في موضع نصب؛ حال من الضمير المستكن في {دُونِكُمْ} على أن الجار صفة لبطانة.
الثالث: أنها في محل نصب؛ نعتًا لـ {بِطَانةً} أيضا.
والألْو- بزنة الغزو- التقصير- كما تقدم-.
قال زهير: [الطويل]
سَعَى بَعْدَهُمْ قَوْمِي لِكَيْ يُدْرِكُوهُمُ ** فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَلَم يُليمُوا، وَلَمْ يَأْلُوا

وقال امرؤ القيس: [الطويل]
وَمَا المَرْءُ مَا دَامَتْ حُشَاشَةُ نَفْسِهِ ** بِمُذْرِكِ أطْرَافِ الخُطُوبِ وَلاَ آلِي

يقال: آلَى، يُولِي- بزنة أكرم، فأبدِلَت الهمزةُ الثانية ألفًا.
وأنشدوا: [الوافر]
...................... ** فَمَا آلَى بَنِيَّ وَلاَ أسَاءُوا

ويقال: ائتلَى، يأتلي بزنة اكتسب يكتسب.
قال امرؤ القيس: [الطويل]
ألاَ رُبَّ خَصْمٍ فِيَكِ ألْوَى رَدَدْتُهُ ** نَصِيحٍ عَلَى تَعْذَالِهِ غَيْرِ مُؤْتَلِي

فيتحد لفظ آلى بمعنى قصَّر، وآلى بمعنى حَلفَ- وإن كان الفرق بينهما ثابتًا من حيث المادة؛ لأن لامه من معنى الحلف ياء، ومن معنى التقصير واو.
قال الراغب: وألَوْتُ فلانًا، أي: أوْليته تقصيرًا- نحو كسبته، أي: أوْليته كَسْبًا- وما ألوته جهدًا، أي: ما أوليته تقصيرًا بحسب الجهد، فقولك: جهدًا، تمييز.
وقوله: {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران: 118] أي: لا يُقَصِّرون في طلب الخبال، ولا يدعون جهدهم في مضرتكم، قال تعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ} [النور: 22].
قيل: هو يفتعل من ألوت.
وقيل: هو من آليت، أي: حلفت.
والخبال: الفساد، وأصله ما يلحق الحيوان من مَرَض، وفتور، فيورثه فسادًا واضطرابًا، يقال منه: خبله وخَبَّله- بالتخفيف والتشديد، فهو خابل، ومُخَبَّل، ومخبول، والمخبل: الناقص العقل، قال تعالى: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا} [التوبة: 47]، ويقال: خَبْل، وخَبَل، وخَبَال وفي الحديث: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ ثَلاَثًا كَانَ حَقًّا على اللهِ أن يَسقيه مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ».
وقال زهير بن أبي سُلْمى: [الطويل]
هُنَالِكَ إنْ يُسْتَخْبَلُوا الْمَالَ يُخْبِلُوا ** وَإنْ يُسْألُوا يُعْطُوا، وَإن يُيْسِرُوا يُغْلُوا

والمعنى في هذا البيت: أنهم إذا طُلِب منهم إفساد شيء من إبلهم أفسدوه، وهذا كناية عن كرمهم.
قوله: {وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ} هذه العلة الثانية، وفي هذه الجملة ثلاثة أوجه:
أحدها: وهو الأظهر- أن تكون مستأنفة، لا محل لها من الإعراب- كما هو الظاهر في التي قبلها.
والثاني: أنها نعت لـ {بِطَانَةً} فمحلُّها نصب.
قال الواحدي: ولا يصح هذا؛ لأن البطانة قد وُصِفَت بقوله: {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا}، ولو كان هذا صفة- أيضا-، لوجب إدخال حرف العطف بينهما.
والثالث: أنها حال من الضمير في {يَألونَكُمْ}، وما مصدرية، و{عَنِتُّمْ} صلتها، وهي وصلتها مفعول الودادة، أي: عنتكم، أي: مقتكم.
وقال الراغب: المعاندة، والمعانتة، يتقاربان، لكن المعاندة هي الممانعة، والمعانتة: أن يتحرى مع الممانعة المشقة.
قوله: {قَدْ بَدَتِ البغضاء} هذه الجملة كالتي قبلها، وقرأ عبد الله {بَدَا} من غير تاء لأن الفاعل مؤنَّث مجازيّ؛ ولأنها في معنى البغض، والبغضاء: مصدر- كالسراء والضراء- يقال منه: بَغُضَ الرجل، فهو بغيض، كظَرُفَ فهو ظَرِيفٌ.
قوله: {مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} متعلق بـ {بَدَتْ} و{مِنْ} لابتداء الغاية، وجوَّز ابو البقاء أن يكون حالًا، أي: خارجة من أفواههم، والأفواه: جمع فَم، وأصله فوه، فلامه هاء، يدل على ذلك جمعه على أفواه، وتصغيره على فُوَيْه، والنسب إليه على فوهي، وهل وزنه فَعْل- بسكون العين- أو فَعَل- بفتح العين-؟ خلاف للنحويين، ثم حذفوا لامه تخفيفًا، فبقي آخرهُ حرف علة، فأبدلوه ميمًا؛ لقُرْبهِ منها؛ لأنهما من الشفة، وفي الميم هُوِيٌّ في الفم يضارع المد الذي في الواو.
وهذا كله إذا أفردوه عن الإضافة، فإن أضافوه لَمْ يُبْدلوا حرفَ العلة.
كقوله: [البسيط]
فَوهٌ كَشقِّ الْعَصَا لأْيًا تُبَيِّنُهُ ** أسَكُّ مَا يَسْمَعُ الأصْوَاَ مَضلُومُ

عكس الأمر في الطرفين، فأتى بالميم في حال الإضافة، وبحرف العلة في القطع عنها. فمن الأول قوله: [الرجز]
يُصْبِحُ ظَمْآنَ وَفِي الْبَحْرِ فَمُهُ

وخصَّه الفارسيُّ وجماعة بالضرورة، وغيرهم جوَّزه سعة، وجعل منه قوله: «لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك».
ومن الثاني قوله: [الرجز]
خَالَطَ مِنْ سَلْمَى خَيَاشِيمَ وَفَا

أي: وفاها، وإنما جاز ذلك؛ لأن الإضافة كالمنطوق بها.
وقالت العرب: رجل مفوَّه- إذا كان يجيد القولَ- وأَفْوَه: إذا كان واسعَ الفم.
قال لبيد: [الوافر]
................. ** وَمَا فَاهُوا بِهِ أبَدًا مُقِيمُ

وفي الفم تسع لغات، وله أربع مواد: ف م ه. ف م و. ف م ي. ف م م؛ بدليل أفواه، وفموين، وفميين، وأفمام.
قوله: {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} يجوز أن تكون ما بمعنى: الذي، والعائد محذوف- أي: تخفيه فحذف- وأن تكون مصدرية- أي: وإخفاء صدورهم- وعلى كلا التقديرين، فما مبتدأ و{أكبر} خبره، والمفضَّل عليه محذوف، أي: أكبر من الذي أبدَوْهُ بأفواههم.
قوله: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} شرط، حذف جوابه، لدلالة ما تقدم عليه، أو هو ما تقدم- عند من يرى جوازه-.
والمعنى: إن كنتم من أهل العقل، والفهم، والدراية.
وقيل: إن كنتم تعقلون الفَصْل بين ما يستحقه الولِيّ والعدُوّ، والمقصود منه: استعمال العقل في تأمل هذه الآيات، وتدبُّر هذه البينات. اهـ. بتصرف يسير.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

الركون إلى الضد- بعد تبين المشاق- إعانة على الحال بما لا يبلغه كيد العدو، فأشار الحقُّ سبحانه على المسلمين بالتحرز عن الاعتراض، وإظهار البراءة عن كل غير، ودوام الخلوص للحق سبحانه بالقلب والسر. وأخبر أن مضادات القوم للرسول صلى الله عليه وسلم أصلية غير طارئة عليهم، وكيف لا؟ وهو صلوات الله عليه محلُّ الإقبال وهم محل الإعراض. ومتى يجتمع الليلُ والنهار؟!. اهـ.

.من فوائد ابن عطية:

قال رحمه الله:
نهى الله تعالى المؤمنين بهذه الآية عن أن يتخذوا من الكفار واليهود أخلاء يأنسون بهم في الباطن من أمورهم ويفاوضونهم في الآراء ويستنيمون إليهم، وقوله: {من دونكم} يعني من دون المؤمنين، ولفظة دون تقتضي فيما أضيف إليه أنه معدوم من القصة التي فيها الكلام، فشبه الأخلاء بما يلي بطن الإنسان من ثوبه، ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما من خليفة ولا ذي إمرة إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصم الله، وقوله: {لا يألونكم خبالًا} معناه لا يقصرون لكم فيما فيه الفساد عليكم، تقول: ما ألوت في كذا أي ما قصرت بل اجتهدت ومنه قول زهير:
جرى بعدهم قوم لكي يلحقوهم ** فلم يلحقوا ولم يليموا ولم يألوا

أي لم يقصروا، والخبل والخبال: الفساد، وقال ابن عباس: كان رجال من المؤمنين يواصلون رجالًا من اليهود للجوار والحلف الذي كان بينهم في الجاهلية، فنزلت الآية في ذلك، وقال أيضا ابن عباس وقتادة والربيع والسدي: نزلت في المنافقين: نهى الله المؤمنين عنهم، وروى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تستضيئوا بنار المشركين ولا تنقشوا في خواتيمكم عربيًا» فسره الحسن بن أبي الحسن، فقال أراد عليه السلام، لا تستشيروا المشركين في شيء من أموركم ولا تنقشوا في خواتيمكم (محمدًا).